فيلسوف الحياة

إلقاء بعض الضوء على حياة مفكر و فيلسوف عظيم لم تستوفه الأقلام حقه و لم يعطى فكره و نهجه الأهمية التي يستحق و من خلال هذه
 
 اللمحة الموجزة التي نود إيرادها عن فيثاغورث و تعاليمه
 فإننا نأمل أن نكون قد ساهمنا في لفت نظر القارئ الكريم إلى مفكر و فيلسوف عظيم مجهول قليلاً , استطاع بفكره و حكمته أن يقيم أنموذجاً لمجتمع فاضل مسالم و حكيم على أرض الواقع , و لو لفترة زمنية قصيرة نسبياً .

ولد فيثاغورث في القرن السادس قبل الميلاد , في عصر كانت الحضارة فيه حضارة عقل و فكر لا حضارة تقنية و تكنولوجيا , و كان الإنسان فيه يتمايز عن غيره بعلمه و فكره و بجده و اجتهاده في البحث عن الحقيقة , لا باقتناء أحدث أجهزة الموبايل و أحدث السيارات …

ببساطة نستطيع أن نقول عن عصر فيثاغورث بأنه عصر الحكمة و الأديان , ففي الصين البعيدة ظهر نبيان عظيمان , هما لاو تسو و كونفوشيوس , اللذان أسسا دينين لا يزالان متبعان من قبل عدد كبير من سكان آسيا .

و في العصر عينه ظهر في الهند غوتاما بوذا , الذي أعاد الحياة لتعاليم كريستنا ( كريشنا ) في نقائها الأصلي , جاعلاً منها حجر الزاوية لدين جديد مرتكز على المحبة و التسامح والسلوك الأخلاقي الصحيح .
و ظهر في فارس , خلال القرن عينه , زرادشت , حكيم فارس و نبيها , وفي العالم اليوناني الروماني , ظهر في هذا الزمن فيثاغورث , الذي لم يكن بأقل من معاصريه حكمة و معرفة , ونستطيع أن نقول بأن فيثاغورث أسس ديناً جديداً كأي من الآخرين المذكورين سابقاً , و لكنه لم يسمح لتعاليمه العلمية – الروحية أن تنحط إلى فرقة دينية كنسية مراقبة بالكهنوت , ولم يسمح ببناء المعابد تكريماً له , أو بالعبادة الشخصية له بأي شكل , على الرغم من كثرة نسج الأساطير حوله و اتساع الاعتقاد بأنه حُبِلَ به بلا دنس كابن للشمس "الإله أبولو" .
و يعتبر فيثاغورث المؤسس الحقيقي للعلم الذي يسميه " حكمة الحياة " أو علم الحياة و الأحياء وهو تعبير ضم كلمتين في اللغة اليونانية ( Bios ) التي تعني الحياة و ( Sophia ) التي تعني الحكمة . لأن هذا العلم برأيه كان هو العلم الملكي الذي تدور حوله وتخدمه كل العلوم الأخرى .

نستطيع أن نقول أن فيثاغورث كان رسول العالم لليونان و الغرب فهو الذي جمع علوم الدنيا في عصره و غرس بذورها في أوروبا لتعود فتشع فيما بعد على العالم أجمع .

كان فيثاغورث الإنسان الأول الذي دعي بالفيلسوف , فبينما كان يدعى العلماء في عصره حكماء , كان فيثاغورث يفضل لفظة فيلسوف ( محب الحكمة ) , و نستطيع أن نستشف قيمة العقل و دوره عند فيثاغورث من قوله ( الله هو العاقل فقط : الرجال عند الحالة الأفضل ما هم إلا محبي الحكمة فحسب . ) .

ميز فيثاغورث بعمق بين التعلم , المعرفة , و الحكمة , جاعلاً الحكمة هي الأسمى , حيث يقول في ذلك :
( العلم، المعرفة، والحكمة، أقسام ثلاثة للتثقيف .
العلم ضحل ، و يتألف من تلك الأشياء التي تحفظ وتقال عن ظهر قلب .
المعرفة أساسية وتتألف من تلك الأشياء التي نعرف ، وليس من الأشياء التي نفترض لنعتقد بها فحسب .
المعرفة قوة : للسعادة وللمحنة .
الحكمة تتفوق على الجميع ، كونها الجوهر الفعال المركز عن خبرة .
من خلال الحكمة وبواسطتها نفهم الأشياء كلها : بواسطة الحكمة يتم الشفاء .
الحكمة وحدها الفيلسوفة العذراء ، المولدة أبداً ومع ذلك العذراء أبداً .
المعرفة كلها اعتقاد وليس كل الاعتقاد معرفة .
يكمن الفرق بين الحكمة والجهل في التمييز ، كذلك بين اليقين والشك , والحقيقي والمزيف ) .

و لا بد أن نذكر في معرض حديثنا عن مآثر فيثاغورث العلمية , المأثرة الأكثر شهرة له و هي نظريته الفيثاغورثية و هي العرض السابع والأربعين لإقليدس صاحب الهندسة الإقليدية , تقول النظرية : ( في المثلث قائم الزاوية مربع طول الوتر يساوي مجموع مربعي طولي الضلعين المحاذيين للزاوية القائمة ) .

و أيضاً لا بد لنا من أن نذكر شغف فيثاغورث بالموسيقى و الأعداد و الأرقام و محاولته تمثيل الأشياء و الأفكار المجردة بأعداد معينة , و لتوضيح هذه الفكرة نورد ما ذكره أرسطو في كتابه " الآثار العلوية عن الفوثاغوريين " حيث يقول : (وكما يقول الفوثاغوريون : إن العالم كله والأشياء كلها الموجودة فيه تختصر في العدد الثالث ، لأن النهاية والوسط والبداية تعطي العدد للكل ، ورقمها ثلاثياً . ومن هنا، أخذنا نحن هذا العدد من الطبيعة ، كما كان واحداً من قوانينها ، واستخدمناه حتى في عبادة الآلهة ) .

و أيضاً يشير أرسطو في كتابه الهام " ما وراء الطبيعة " إلى نظرة الفيثاغورثيين للعالم و الأعداد فيقول : ( يقول الفوثاغوريون : إن العالم نشأ من الأعداد وكانوا يحترمون العدد عشرة ، ويقولون إن الأشياء عينها تكون أعداداً ، وبسبب أنهم رأوا بأن العديد من خصائص الأعداد تخص الأجسام المحسوسة ، افترضوا أن الأشياء الموجودة تكون أعداداً ، وأن عناصر الأعداد هي عناصر الأشياء .
ويقولون ، بأن الأشياء الموجودة تدين بوجودها إلى تقليد الأعداد ، وبما أن طبيعة كل شيء آخر يبدو أنه مشابه للأعداد ، وبما أن الأعداد تكون في كل مكان من العالم الطبيعي بشكل رئيسي ، افترض الفوثاغوريون أن عناصر الأعداد هي العناصر لكل ما هو موجود ، وأن العالم كله يكون تناسباً وعدداً ) .

و أيضاً في نفس الكتاب يعود فيقول : ( إن الفوثاغوريين هم الذين خصصوا أنفسهم عملياً لعلم الحساب ، قبل الفيلسوفين اليونانيين الذريين ليوسيبوس ، وديموقريطس ، وحققوا تقدماً مهماً في هذا الموضوع ، وبسبب استغراقهم فيه ، افترضوا أن مبادئ علم الحساب هي مبادئ كل الأشياء . لقد ميز الفوثاغوريون نوعاً مفرداً للعدد ، أي العدد الحسابي ، لكن ليس له وجود منفصل عن الأشياء الحسية ، كذلك فعل ليوسيبوس ." وهذا الرأي كان رأي الأفلاطونيين بشكل عام" . ويثبت الفوثاغوريون مبدأين اثنين بشكل مماثل ، لكنهم يضيفون شيئاً مميزاً لهما ، أعني أن المحدد واللامحدود لا ينسبان إلى العناصر الطبيعية الأخرى مثل النار أو الأرض أو شيء ما مشابهاً . وهم يؤكدون بالأحرى أن اللامحدود عينه والوحدة عينها هما المادة ، ولهذا السبب هم يقولون أن العدد يكون مادة الأشياء كلها ) .

ويورد أحد مؤرخي الفلسفة اليونانية في كتاباته ما يلي : ( إن الوصف العلمي لكل شيء في العالم العلمي يأخذ شكل المعادلات العددية ، إن ما ندركه كنوعيات علمية – طبيعية ، مثل اللون الحر ، الخفة ، والصوت – كلها تختفي وتحل محلها الأعداد ، ممثلة أطوال الذبذبة أو الأحجام . لهذا السبب فإن المؤرخين العلميين أكدوا أن اكتشاف فوثاغورس لعلم العدد ، غير مجرى التاريخ كله ) .

و قد كتب الاسكندر الأفروديسي ( شارح أرسطو ) في هذا الأمر ما يلي: ( إن الفوثاغوريين افترضوا صفة محددة للعدل ، للمكافأة ، أو للمساواة ، و وجدوا أن هذه الصفة المميزة توجد في الأعداد ، لهذا السبب قالوا بأن العدل كان العدد الأول المربع ، لأنه في كل نوع امتلك المثل الأول للأشياء الذي لديه الصيغة عينها ، امتلك الحق الأفضل للاسم ، هذا في رأيهم .
وقال البعض بأن هذا العدد كان 4 ، كونه العدد المربع الأول ، وهو يقسم إلى أجزاء متساوية ، وهو متساو في كل طريقة ، لأنه مرتين العدد 2. ومهما يكن، فإن الآخرين قالوا بأنه كان العدد 9 ، المربع الأول للعدد المفرد الوتري ، يعني العدد 3 مضروباً بنفسه .
و على الجانب الآخر ، قالوا : إن المناسبة كانت العدد 7 ، لأن إتمام الأزمنة في الطبيعة ، في ما يتعلق بالولادة والرشد يشترك في السبعات .
ويقولون علاوة على ذلك ، "هكذا يخبرنا فوثاغورس" ، بأن الشمس بسبب كونها سبب تكون الفصول ، مركزة في منطقة العدد 7 والذي يماثلونه بالمناسبة ، يعني ، أنها تحتل المكان السابع بين الأجرام العشرة التي تتحرك حول الموقد المركزي . ويماثلون الزواج بالعدد 5 ، لأنه اتحاد للذكر والأنثى ، وطبقاً لهم فإن الذكر هو عدد مفرد والأنثى عدد مزدوج، وينشأ العدد 5 من العدد الأول المزدوج (2) ومن العدد الأول المفرد (3) ويماثلون العقل والموجود بالوحدة ، لأن فوثاغورس يصنف الروح بالعقل ) .

أما في الموسيقى , فقد كتب هيراكلايدس في مقدمته عن الموسيقى ما يلي : ( اكتشف فيثاغورث ، كما يقول زينوكراليتس : إن الفواصل الموسيقية تدين بأصلها لضرورة العدد أيضاً ، لأنها تكمن في مقارنة نوعية واحدة بأخرى . وحقق فوثاغورس في أية حالات تكون هذه الفواصل منسجمة وفي أيها لا تكون ، وفي أصل التناغمات واللاتناغمات ) .

و من المعروف بأنه لفيثاغورث يعود الفضل في إدراك أن : الإطار الأصلي للموسيقى يعتمد على نسب رقمية محددة هي 1: 2 "الثماني"، 3: 2 "الخماسي"، 4: 3 "الرباعي".. إن هذه الأعداد تمثل نسبة الاهتزازات على الخيط ، أو عمود الهواء في المزمار.

ويؤكد نيقوماخوس : " أن أوزان العدد 12 و 6 أنتجت "الثماني" ، وأوزان وحدات العدد 12 و 2 أو 9 و 6 أنتجت "الخماسي" ، وأوزان وحدات العدد 9 و 8 أنتجت "الرباعي" .

ويورد كورن فورد الذي كتب عن الفوثاغورية ما يلي: ( كفلسفة دينية فإن الفوثاغورية علقت أهمية مركزية
على فكرة الوحدة وبشكل خاص وحدة الحياة كلها ، التي تدل ضمناً على نظام التقمص ) .

علم فيثاغورث قبل – كوبرنيكوس , تيخوبراه , كبلر و جاليليو – بقرون عديدة أن الأرض مستديرة وتدور دورتين حول الشمس , وأن النجوم كانت أنظمة شمسية أخرى مثل نظامنا الخاص , وكانت مثل الشمس في حركة دائمة . وبالرغم من أن كوبر………..وس الذي اعترف بِدَينه لفيثاغورث لإعلانه الثوري في ما يخص دوران الأرض حول الشمس , نجا بحياته , تماماً مثلما فعل جاليليو , الذي شجب علناً معتقده هذا و أنقذ نفسه , فإن الفيلسوف الفيثاغورثي السيء الحظ , جيوردانو برونو , قاسى العذاب سجناً وأعدم حرقاً لتأكيده العقيدة بعلم النجوم لفيثاغورث .

إن هذه التعاليم الفيثاغورثية عارضتها الكنيسة بشدة . ومعارضة الكنيسة هذه توضح لماذا أتلفت وفقدت كل كتابات فيثاغورث والفيثاغورثيين حتى اليوم بما يتعلق بعلوم معينة , في حين أن تعاليم فيثاغورث عن التغذية , و الغدد الصم , والمتعلقة بتحسين النسل لا تزال موجودة .

أوجد فيثاغورث السلم الموسيقي القوي أو الدياتوتي , التي أسست عليه الموسيقى لقرون متتالية حتى يومنا هذا .
و يمكن أن يكون هذا السلم هو القاعدة لتصور فيثاغورث عن "موسيقى الأفلاك" , التي تنتج من حركات الأرض والكواكب حول الشمس .

أوجد فيثاغورث أيضاً علم الطب و صنفه و فنده و اعتمد أبقراط الذي كان معاصراً له على أبحاث فيثاغورث في علم وظائف الأعضاء و علم التغذية و علم تحسين النسل .

أدار تلامذة فيثاغورث فنهم العلمي الشافي في المعابد و شفوا فيها الفقراء و المبتلين دون مقابل , و ذلك لإحياء و إعطاء تعبير جديد للفلسفة الفيثاغورثية .

كان فيثاغورث الموجد لنظام المعالجة بالطبيعة والشفاء بدون استخدام العقاقير الطبية والعمليات الجراحية التي سادت بين اليونانيين صعوداً إلى أيام جالينوس , الذي اعترف بدينه إلى السَدّ ( فيثاغورث ) .

فهم فيثاغورث القيمة العلاجية للنباتات المختلفة , واستعمل الأعشاب الطبية في علاج المرضى , كما استخدم أيضاً الموسيقى واللون كعوامل علاجية .

إن النظام الفيثاغورثي للمداواة الطبيعية وصل بالتناقل إلى فرقة فيثاغورثية جديدة من الأسينيين المتجولين الذين شفوا المرضى المحتشدين حولهم أينما حلو , و قد ولدت المسيحية الأصلية في هذه الفرقة الدينية , والاسم الحقيقي لقائدها كان أبولونيوس الطياني وهو الفيلسوف الفيثاغورثي الجديد للقرن الأول الميلادي , وقد بُجِّلَ في زمنه كما لو أنه السيد المسيح .

اعتُرِفَ لفيثاغورث بأنه الأب النباتي , حيث كان الإنسان الأول الذي حاول الإصلاح الجذري في عادات الحمية للأجناس الإنسانية , وكان هو الملهم لمدرسة الفلاسفة اليونان والرومان , الذين ضمنوا النباتية كسمة أساسية في فلسفتهم , مثلما فعل أفلاطون , أرسطو , ابيقورس , أبولونيوس , والعديد من الفلاسفة الآخرين .

سبق فيثاغورث غيره في علم الغدد الصم و أدرك الأهمية الحيوية للهرمونات الجنسية , الأمر الذي جعله يتبنى أسلوب حياة يؤدي إلى التركيز الفكري الأسمى في الجسم , لهذا يُعتبر كبح النفس عن الشهوة الجنسية سمة جوهرية في الحياة الفيثاغورثية .

و تجدر الإشارة إلى أن فيثاغورث حاول تهذيب الشهوة و التحكم بها بدل أن تتحكم هي بالإنسان , و لكنه لم يحرمها أبداً .

استنبط فيثاغورث المبادئ الأساسية لعلم تحسين النسل مبيناً أن تحسين الأنواع يجب أن يكون هدف الجنس البشري الأكثر أهمية و أولوية .

اعتقد فيثاغورث بالنظرية الوارثية للصفات المميزة المكتسبة , واعتقد أن الحمية النباتية , وحياة النظافة والثقافة الموجودين قبل الولادة , والصيانة للحيوية التناسلية , وضبط النفس عاطفياً يمكنها كلها أن تنتج أطفالاً أرفع مقاما جسدياً وعقلياً .

يقول فيثاغورث : ( مما يدعو للسخرية ، أن يظهر الرجال اهتماما أقل نحو نسلهم الخاص ، منجبين الأطفال عرضاً وبإهمال ، وبعد الولادة لا يحققون لهم غذاء أو تعليما ملائما إن أمرا كهذا يوضح بقوة مدى الخلل والانحراف ، التي تنغمس بهما أكثرية الجنس البشري ، لأن الجماهير تتوالد بشكل غريزي ، مثل البهائم ) .

أوصى فيثاغورث تلاميذه و مريديه بحمية تتعلق بعدم أكل اللحم , لأن هذه الحمية تعتبر موصلاً إلى سلام عالمي , لأنه اعتقد أن قتل الحيوانات يقود حتماً إلى قتل الإنسان للإنسان , في حين أن الامتناع عن هذا العمل يمنع الحرب .

حض فيثاغورث السياسيين بشكل خاص وحكام الدول , كي يمتنعوا عن أكل اللحوم , فيقول : ( كيف يستطيعون هم أن يتظاهروا بأنهم يأمرون بالعدل , عندما يخالفون العدل كله بواسطة التضحية , لقد قادهم ذلك إلى النهج الهمجي للتضحية بمخلوقات متحالفة معنا بواسطة الطبيعة إلى حد بعيد ! لأنه من خلال الجماعة المشتركة في الحياة , وللعناصر الضرورية عينها , وللتعاطف القريب , الذي ينبغي أن يستمر , لهذا السبب فإن هذه المخلوقات تكون متحدة معنا باتحاد أخوي و ودي , مثلما كانت أصلاً ) .

يُعترف بشكل عام بأن فيثاغورث كان الموجد والمشرّع لما يختص بصداقة الروح نحو الجسم ، و صداقة الزوج نحو الزوجة من خلال المشاركة التي لا يساء استعمالها ، أو في ما يتعلق بالجسم وقواه الكامنة المتضاربة ، وذلك من خلال الصحة والحمية المعتدلة المنسجمة مع هذا الأمر .

كما علّم فيثاغورث نظاماً متقدماً عن الحكومة العلمية فيما يخص علم الاجتماع ، و علّم نظاماً عادلاً للتوزيع الاقتصادي ، وكان بعيداً في تقدمه أكثر من أي نظام وجد قبل أو بعد .

فقد علم فيثاغورث أن ملكية الأصدقاء يجب أن تعتبر من أجل الخير المشترك ، و أن الصداقة تكون مساواة ، وسلّم مريدوه بأفكاره فقاموا برمي أموالهم وبضائعهم أمام قدميه ، وكانت ملكية الأشياء فيما بينهم مشتركة .

أعطى فيثاغورث بتعاليمه السامية عن الحب الأخوي الحقيقي مثالاً فعلياً عن هذا الحب تجلى في قصة ( دايمون و بيثياس ) التي أصبحت مضرب المثل فيما بعد . و تتلخص هذه القصة الجميلة بما يلي :

كان دايمون و بيثياس قد تهذّبا واطّلعا على الشعائر الدينية المقدّسة للمجتمع الفيثاغورثي ، فأصبحا متحدين بروابط الصّداقة و المحبة الأخوية ، تجرأ دايمون بإعلان و فضح إساءات و اعتداءات طاغية عصره ديونيسيوس بكل صراحة , فأمر الطاغية ، بالحكم على دايمون بالموت ، جزاء فعله هذا ، فأتى بيثياس (صديقه) لمساعدته طالباً من الطاغية إرجاء تنفيذ حكم الإعدام عليه ست ساعات ، كي يتمكن دايمون من أن يرى زوجته وطفله قبل أن يموت ، مقدماً نفسه ليصبح كفالة و ضمان من أجل عودة دايمون إلى الطاغية لتنفيذ الحكم فيه .

أُوثق بيثياس وسيق إلى السجن , و أطلق دايمون لسبيله كي يذهب لرؤية زوجته و طفله , أصبح الطاغية مهتماً وراقب النتيجة مبهوراً بينه و بين نفسه بهذه الحادثة الغريبة الشأن . و عندما أتت الساعة الأخيرة و دايمون لم يأت بعد , أخذ الطاغية يسخر و يستهزء من بيثياس لعمله المتسرع الأبله هذا .

أمر الطاغية بأن يساق بيثياس إلى موقع تنفيذ الحكم لاقتراب الموعد , وعندها أعلن بيثياس أنه لا يشك مطلقاً في وفاء صديقه ، وصدق إخلاصه ، حتى وإن كانت نهايته هي الموت .

يعود دايمون في اللحظة الأخيرة و يقدم نفسه إلى يدي الطاغية , فيعجب بعمق صداقتهما و نبالة موقفهما و يلغي عقوبة الإعدام ، و يعانق الصديقين ، متوسلاً لهما أن يقبلاه عضواً ثالثاً في مجتمعهما النبيل ، لكنهما لا يوافقا على طلبه ، رغم أن ديونيسيوس كان قد نشد ذلك بشكل جدي .

 

أضف تعليق